الأربعاء، فبراير 15، 2012

كل لحظة كأنها آخر لحظة بحياتك



كلنا إلى التراب..
إلى النهاية..
إلى المنفى..
إلى المنسى..
ولكن بعضنا يخلدون..
يعيشون طويلاً طويلاً..
في ذاكرة محبيهم..
في صفحات إبداعاتهم..
في تأثير فكرهم..
في عقول تلاميذهم..
في قلوب عشاقهم..
بعض الناس..
يمر ونقول قد مرَّ وهذا الأثر..
يستشهد ونقول قد خُلِّد وهذا الفكر..
بعض الناس لا يموتون أبداً..
فهم في جنات ونعيم عقول من تعلموا منهم..
من يشتاقون إليهم..
من يتمنون لو صاروا قطرة من بحورهم..
بعض الناس..
نتمنى لو  نلنا شرف لقائهم..
لو سعدنا بسماع أصواتهم..
لو تنفسنا الهواء بعد زفيرهم.. لعلنا نستنشق نفحات من روعتهم..
لا زلت أتذكر..
أول ما رأيت إبراهيم الفقي في التلفاز..
كم راق لي أسلوبه..
وسرعة كلامه..
وقفزاته..
وجنونه..
وعلمه..
وفكره..
ونجاحه..
وسحره..
عشقته من النظرة الأولى..
وتأثرت به من الدقيقة الأولى..
حتى لما جاء لليمن..
سابقت الكل لكي أحضى بمتعة محاضراته مباشرة..
في اليوم الأول لمحاضراته اختلطت مشاعر الصدمة الجميلة بحضوره, مع خيبة الأمل من تقنيات الصوت الرديئة في تلك الصالة , والتي لم تكن أبداً تليق بمقامه..
حتى أنه غضب وغادر القاعة بسبب هذه التقنيات المزعجة..
استغربت.. هل يُعقل أن يغضب إبراهيم الفقي؟!!!!
ولكن اليوم التالي لمحاضراته – في قاعة أخرى - في نادي ضباط الشرطة , كان من أسعد أيام حياتي..
بمجرد ما فُتِحَت بوابة الصالة(وكنت طبعاً من السابقين في الطابور)..
رأيته أمامي مباشرة..
لا تفصلني عنه مسافة أكثر من نصف متر..
يقف منتصباً مبتسماً مرحباً .. في تواضع واعتذار العظماء..
بالطبع.. لم أصدق عيني في البداية..
بقيت واقفة فاغرة فاهي هنيهة.. هل هذا هو؟!!
توقعت قامته أطول من ذلك!
ثم لا أدري كيف خرج صوتي, ولكن أظن أنني قلت: ( السلام عليكم) لأنه رد علي منشرحاً عطوفاً: ( وعليكم السلام ورحمة الله)..
ثم جلست واستمعت واستمتعت..
وبالتـأكيد استرخيت ..
وبقي هذا اليوم خالداً خلوداً غير مألوف في ذاكرتي المسكينة ( والتي أحاول تنشيطها بمساعدته)
وهذا العام..
وبمجرد أن رأيت إعلان قدومه بالتعاون مع مؤسسة صناع القرار..
تواصلت مع إدارة المؤسسة..
طلبت راجية ملحة أن أكون في لجنة النظام (مع إبراهيم الفقي)
لشدة حماستي, بدأت أعد خطتي لشهر مارس قبل خطتي لشهر فبراير..
لكي أستمتع.. وأتعلم.. وأوسع مداركي وخبراتي.. وذكرياتي الجميلة بحضوره..
وفي تلك الجمعة المشؤومة..
وأنا وأخواتي ذاهبات لبيت عمي.. أشاهد الأكداس المكدسة من القمامة..
فاستنكرت قائلة: كيف سيستقبلون إبراهيم الفقي بهذه المناظر؟!!!
ولكنهم لم ولن يستقبلوه..
فقد استقبلني أنا الخبر الصاعقة في بيت عمي..
صرخت لا شعورياً بأعلى صوتي..
عبثاً حاولت االسيطرة على نفسي ومشاعري..
ظليت أسبوعاً كاملاً أنتظر من أي وسيلة إعلام تكذيباً لهذا الخبر.. ولكن.. وللأسف.. خيبت رجائي وأكدت الخبر..
ماذا عساي أقول..
ربما قانون الجذب الذي علمنيه إبراهيم الفقي يعمل عندي بشكل عكسي..
إذ لكثرة ما رغبت بحضوره لم أحصل على ما تمنيته .. بل العكس..
والعكس تماماً..
أقصى ما يصل إليه العكس..
يا نار..
لمَ لم تكوني برداً وسلاماً على إبراهيم؟!
لست أدري..
لماذا لم يطفئ النار بالطاقة اللا محدودة لعقله الباطن؟!
كيف لم يطر خارجاً بسرعة بواسطة قوة التحكم بالذات؟!!
هل عجز عن إيجاد المفاتيح وسط النيران, وهو من أعطانا المفاتيح العشرة للنجاح؟!!
لمَ لمْ يسيطر على مماته كما سيطر على حياته؟!!
هل كان الحريق أكثر ثقة واعتزازاً بنفسه منه؟!!
يريدني أن أغير حياتي في ثلاثين يوماً.. ولم يعلم أن موته غير حياتي في ثلاثين ساعة!
أين ستذهب الطاقة البشرية؟ وكيف تصل إلى القمة بدون قائدها الفذ؟!
أواه أواه على خسارتك أيتها البشرية..
أواه أواه على خسارتكم أيها العرب..
لإن كنتم افتتحتم سنة 2011 بشروق شمس الربيع العربي..
فإنكم تفتتحون سنة 2012 بغروب شمس التنمية البشرية العربية..
أرجو من صميم قلبي وعقلي أن تستمر الكواكب التي كانت تستمد نورها من أشعته.. أن تجاهد في سبيل إبقاء آثار أشعته, ودفئه, وطاقته,  ومجده..
فليرحمك الإله يا إبراهيم..
أعدك..
أني سأسعى لأن أكون من أروع آثارك..
ساعيش كل لحظة كأنها آخر لحظة بحياتي..
سأعيش بالإيمان.. سأعيش بالأمل..
سأعيش بالحب.. سأعيش بالكفاح..
وسأقدر قيمة الحياة..

لك مني أعظم تحية وامتنان.

شهد خليل
16/2/2012