الأربعاء، مارس 30، 2011

ســــــقوط

كان نجماً لامعاً..
وشخصاً محبوباً..
وقدوة للكثير.
اعتبروه معلماً فاضلاً..
ظنوه أخاً مخلصاً..
غرتهم جاذبيته..
سحرتهم ابتسامته..
أسرتهم طريقته..
خضعوا تحت عباءته..
التي كان ظاهرها الرحمة .. وباطنها العذاب..
كان ناجحاً مستمتعاً بنجاحه..
محبوباً سعيداً بمن حوله..
قائداً مزهواً بأنصاره..
ولــــــكــن..
أصابه مرض خطير..
آفة عسير علاجها..
علة تمكنت من عقله..
سقم دمر ذكاءه..
هو الذي زعم أنه يستطيع شفاء الآخرين..
تمكن منه مرض عضال..
هو الذي أقنع الآخرين..
بأنه الأجمل.. والألمع.. والأنقى..
هو الذي حباه ونعّمه الكريم غزيرا..
وصبر عليه وأمهله طويلاً..
تغلغلت تلك الآفة في شرايينه..
تلك الآفة..
التي التقط جرثومتها بنفسه..
وأدخلها كيانه بملء إرادته..
وظن بغروره الأرعن أنه سيسيطر عليها أيضاً..
كما سيطر على عقول الكثيرين..
ونسي أن الذي خلقه .. وأوجد فيه سحره الذي غره..
يقدر أن يخلق من هو أقوى منه..
وأعتى منه..
وأظلم منه..
وأشرس منه..
وأقدر على هزيمته..
تلك الجرثومة..
تغلغلت فيه شيئاً فشيئاًً..
وتكاثرت, وقويت, وتطورت بداخل خلاياه..
احتلت كل عصب في شخصه..
تشاركت مع ذريتها المهولة نهشه وإنهاءه..
قضت على مناعته..
فقست بيوضها في تنفسه..
عششت في دماغه..
عربدت في دمه..
فاحت رائحتها من كل مسام جلده..
فاحت وأنتنت..
وانتشرت بأسرع ما استوعبه عقله القاصر..
خرج العفن من تحت شعيراته..
فتحسست منه جلود من كانوا تحت عباءته الطاغية..
والقيح والصديد الذان اندفعا من أظافره اقشعرت لهما أبدانهم..
ورائحته المقيتة أزكمت أنوفهم..
وأوساخه تطايرت بقوة دافعة عجيبة..
انتزعت تلك العباءة التي ظنها ملتصقة به..
مزقتها إرباً..
وتبعثرت خيطانها في كل الأصقاع التي مشت يوماً فيها قدماه..
صار عارياً..
مفضوحاً..
ملعوناً..
كسرت عصاه السحرية..
وثقبت قبعته التي كانت تخرج الأرانب والمناديل الملونة..
حتى أنامله .. فقدت خفتها ورشاقتها..
فقد كل ما بذل من العظائم من أجله..
وتعلم أخيراً..
أنه كان يتوجب عليه صيانة النعم..
وألا يتحدى قدرة من وهبه كل ما وهبه..
وأن الكبرياء لله وحده..
ولــــكن..
بعد فوات الأوان..
بعد السقوط..
المدوي..
الهائل..
السااااااااحق.





الأحد، مارس 27، 2011

مدرســــة صــــمود




أخي الصامد في أرض الرباط..
علمنا..
كيف تقف عاري الصدر أمام فوهات البنادق؟؟
وبعض نسائنا يقفن عاريات الصدور أمام عيون الذئاب!!
اشرح لنا أعزك الله..
كيف تقف شامخاً في إباء مواجهاً جنازير الدبابات؟؟
وبعضنا يركع ذليلاً تحت أقدام الدولارات!!
كيف تصلي , وتدعو ربك..
 مستشعراً بأن جنوداً مجندة من الملائكة تؤازرك وتؤمن على دعائك؟؟
بينما عيوننا ترى حولك جنوداً مجندة من بني صهيون يحاصرونك ..
 ويتحينون الفرص لغدرك!!
أختي الشامخة في أرض الرباط..
فسري لنا..
كيف تحتضنين الأشجار.. وتتشبثين بالتراب..
 وتفضلين الموت تحت أنقاض بيتك على أن تتركيه وتعيشين بما يسمى السلام؟؟
بينما ترن زغرودتك وتعلو تكبيرتك..
 وأبناؤك يزفون إلى ديار أخرى شهيداً تلو الآخر!!
بالله عليك..
كيف ترسلين أطفالك لمدارسهم , ولجهادهم , ولأعمالهم ..
 تحت قصف الصواريخ؟؟
ونحن نرسل أطفالنا لغسيل عقولهم, واحتلال أفكارهم..
 من قبل اختراعات من وليناهم علينا أسيادا!!
كيف تحملين بيديك المضرجتين بالدم البنادق ..
 والأعلام ,  والشهداء , والأشلاء؟؟
ومعظمنا يثقل على يديه أن تحملا كتاباً مفيداً.. أو قلماً حراً!!
طفلي الباسل في أرض الرباط..
أخبرنا..
كيف أحسست عندما أسر العسكر أباك وأنت تشد قميصه مستجدياً؟؟
كيف كان مذاق الدم في حلقك..
 عندما اغتالك عمداً وغدراً ذلك المدجج بالسلاح؟؟
هل آلمك عبور الحواجز وأنت تحاول الوصول لمدرستك..
 التي تتعلم فيها كيف تكتب (عاشت فلسطين حرة)؟؟
أضحكت واستمتعت حين استعرضت فتوتك البريئة أمام مدافعهم؟؟
فداك روحي..
ماذا رضعت من أمك فقوي لحمك واشتدت عضامك ..
 وصارا أصلب من عضلات الذين تلقوا أحدث التدريبات العسكرية؟؟
هل يا ترى ملمس الحجر وهو في قبضة يدك..
 أحب إليك من ملمس كف أبيك الذي حرمت منه..
 وأدفـأ من صدر أمك الذي لم تذقه؟؟

أبي الجليل في ارض الرباط..
احك لنا..
كيف كان شكل منزلك القديم ؟؟
الذي بنيته حجرة حجرة..
وسقيت فيه كل شجرة..
وتمنيت أن تجمع فيه جميع أبنائك وأحفادك كل جمعة..
بأي لون طليت جدرانه لكي تحكي قصة عائلتك..
قصة أول وليد لك..
قصة أول حفيد لك..
قصة أول ثمرة زيتون من شجرتك..
قصة أول زهرة ياسمين تفتحت في فنائك..
قصة فلسطين..
ترى.. هل عاشت تلك الجدران؟؟
هل شهدت ما بنيتها لأجله؟؟
أم أنها شهدت طردك وأهلك من ظلالها..
وتشريدك وأحفادك من جوارها..
واستيلاء المستوطنين على أرجائها..
وعبثهم وفسادهم فيها..
أكرمك الذي كرّمك..
هل آلمتك قدماك من السير مهجّراً إلى إحدى المخيمات؟
ومنها إلى مخيم آخر , ثم يليه مخيم آخر..
هل تغضنات وجهك الرضيّ قد حفرها الزمن.. أم هي الدموع؟
أم هو الدم؟
أيها المرابطون..
أخبرونا.. أجيبونا..
كيف تصنعون ما تصنعون؟
كيف روى أرواحكم ما تؤمنون؟
ماذا تأكلون؟ ماذا تشربون؟
على أي جانب تنامون؟
إن كنتم بشراً مثلنا؟
إن كنتم عرباً مثلنا؟
فلماذا لا تخضعون مثلنا؟
من أي طين خلقتم؟
من أي لبن رضعتم؟
في أي أرض خلقتم؟
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

لم يحرك ساكناً (قصة قصيرة)



في أحد الأيام الجميلة...
في جو لطيف وشاعري..
في تلك الحديقة..
حيث الزهور سعيدة بشدو الطيور...
كانت (فاتن) تتمشى وحدها رائقة البال..
تستمتع بملمس الحشائش الرطبة على قدميها الحافيتين.. 
اعتادت (فاتن) أن تذهب لتلك الحديقة كلما سنحت لها الفرصة .. وأن تخلع حذاءها وتمشي حافية القدمين على العشب الندي..  وتملئ عينيها بكل الجمال الموجود في تلك الحديقة .. وتسر أذنيها بغناء الطيور وخرير مياه النوافير..

هناااك..
رأته..
في ظل شجرة.. ممسك بجذعها..
طويل القامة.. عريض المنكبين..
وقفة واثقة منتصبة...
أناقة بلا تكلف..
يشخص بوجهه إلى أعلى الشجرة..
حيث عصفورة تطعم أطفالها في عشهم..
واقف بثبات .. وشبح ابتسامة على شفتيه..
بدا عليه الحنان والرقة , رغم أنه يغطي عينيه بتلك النظارة الشمسية الأنيقة..
ملامحه الظاهرة وسيمة قسيمة..
جو الرجولة يشع منه لما حوله..
ما أروع وقفته!!!
هل هو فعلاً يتأمل العصفورة؟؟!!
هل يوجد رجل في زمننا هذا يبالي ويهتم بهكذا أشياااء؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!
أحست به مستمتع ومنتشٍ بكل ما حوله من ألوااان وبهجة وأصوات..
يا الله ما أروعه!!!
لم تشعر بنفسها..
إلا وهي تذوب في تأمله..
تائهة في تموجات قميصه الذي يداعبه النسيم..
خيالها يسبح في أساطير أبطالها (هي وهو) فقط..
قلبها يرقص ويقفز ويتمادى في حفلته الصاخبة التي أقامها في فؤادها ودعا إليها كل أعضاء جسدها .. وقطرات دمائها .. وذرات روحها..
وابتسامة عمييقة على شفتيها..

و(الطويل) لا يزال في مكانه بنفس الوقفة..

فجأة ..
شعرت بنفسها..
قالت لها: ماذا دهاك؟؟!!!
لملمت أغراضها وعزمت على الرحيل..
فأبت ساقاها أن تستجيبا لرغبة عقلها..
وتدخل قلبها محتداً غاضباً على عقلها.. صارخاً:
-        دعها .. فلن نخسر شيئاً..
بالكاد نرى شيئاً يستحق أن يُرى هذه الأيام..
جلست (فاتن) وفكرت..
ماذا سيضيرني لو ابتسمت له؟؟
ربما تحدثت معه..
ربما...............
فحاول عقلها جاهداً :
-        لاااااا.. كفى سذاجة.. إنتبهيييي.. إحذرييييي..
ظل يصرخ ويصرخ..
ولكن الضجة الصادرة من منزل الأخ (قلبها) المندفع .. حجبت صوت (عقلها) المصدوم..
فكان بالكاد يُسمع..
وعضُه ونصائحه لم يُفهما بسبب رقص ضيوف القلب على دفوفه وإيقاعاته..
ذهبت (فاتن) إلى أمام ناظري (الطويل) مباشرة على بعد مسافة يستطيع أن يراها فيها..
مشت الهوينى .. وحاولت أن تقلد بقية الفتيات اللائي يسرن وكأنهن يمشين على بيض..
حاولت أن تحرك رأسها ويديها مثلهن.. وقالت في نفسها:
-        الآن سأؤثر عليه..
فلم يحرك ساكناً..
ظل واقفاً تلك الوقفة الساحرة.. ورأسه لم يتزحزح..
حثت نفسها:
-        حاولي مجدداً.. النتيجة تستحق تكرار المحاولة..
هذه المرة .. تغندرت في مشيتها أمامه على مسافة أقرب من السابقة..
وفي المنتصف.. أمام وجهه مباشرة..
تظاهرت بأن شيئاً وقع من حقيبتها.. وانحنت لأخذه..
في العادة...
لو أن شاباً آخر كان مكانه , لقال:
-        بسم الله عليك..
ولهبّ يعرض خدماته .. أو (يستعرض ما قد يمنّّ به عليها)..
وصاحبنا (الطويل) لم يتحرك قيد أنملة..
فقط..
يده ارتفعت نحو خصلة من شعره الأسود الفاحم الناعم.. لتزيحها عن جبينه العريض الوضاء..
تمتمت (فاتن):
-        منك الصبر يا الله..
-        نعم.. ليس لي خبرة في خطط الفتيات وتدابيرهن لجذب الرجال..
-        ولكني.. لا بأس بي .. نعم لا بأس بي كأنثى!!

ذهبت (فاتن) واختبأت خلف شجرة بعيدة نسبياً.. واتصلت بصديقة لها خبرة وباع في هذا المجال..
قالت لـ (فاتن):
-        النظرات... النظرااااات...
-        لغة العيون هي أكثر ما يسحرهم..
-        ابتسمي له وأنت تنظرين نحوه في وله وهياااام..
زمجرت (فاتن):
-عييييب!
قالت صديقتها في أنفة:
-        إذاً (طز فيك)!!!
-        هل لا زلت تعيشين في القصص الخيالية الرومانسية التافهة التي كنت تقرئينها في مراهقتك؟؟؟!
-        تلك القصص التي تحكي عن شاب يقع في حب فتاة لأنه:
-         أعجب بـــ  (أخلاقها) !!!!
-        أسَرته بـــ   (حيائها)!!!
-        أحبّ هه ..  (رووحها الطاااااااااااهرة)!!!!
-        وعشقَ .... (جووهرهاا الأصيييل)!!!
-        ههههههههاايي ... أفيقي يا عزيزتي..
-        أنتِ في عام ألفين وعشرة...
-        الناس قد وصلت إلى الفضاااء .. وأنت كما أنت تفكرين كطفلة بلهاااء..
-        لا يمكن أبداً , أن يبادر شاب من هذه الأيام بمصارحة أي فتاة..
-        أخبريه أنك معجبة به قبل أن تخبره أخرى .. وتسرقه منك ..
في تردد وحيرة سألتها (فاتن):
-        ولكن .... ماذا لو... صدني ؟؟
همست لها صديقتها بإلحااااح:
-        أنت لن تخسري شيئاً بالمحاولة .. وستكونين قد عملت ما عليك ..
-        يقول ربنا: اسع يا عبدي , وأنا أسعى معك..
-        المهم فقط .. افعليها.. بدلاً من أن تطرشي أذنيّ بنواحك .. ونحيبك من الفراغ العاطفي الذي تعانين منه..
-        أليس ذلك أفضل من الشكوى طوال الوقت بأن بنات أقل منك في كل شيء .. وجدن الاستقرار , والسعادة مع أنصافهن الأخرى.. وأنت كما أنت...

تنهدت (فاتن) تنهيدة أخرجتها من أعماااااق لم تتخيل أنها كانت موجودة أصلاً بداخلها..
وعزمت أمرها..
-        نعم ... لن أخسر شيئاً..
سحبت نفسها.. لا   لا .. بل جسدها كان يهرول نحو (الطويل) بأقصى سرعته..
-        نعم نعم .. سأبتسم له عن قرب .. كلهم يقولون أن ابتسامتي جميلة..
-        من يدري؟؟ قد يكون هذا الطويل هو - صاحب أسعد حظ في العالم..
توجهت نحوه بابتسامة ملء وجهها..
حاولت أن تجعلها ابتسامة رقيقة خافتة.. فلم تفلح..
لم تحاول حتى أن ترسم نظرة الوله في عينيها .. لأن الوله أصلاً قد تمكن منها, ومن كل ذرة في جسدها , ومن كل روحها, ومن كل جوارحها..
بهذه السرعة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!
نعم بهذه السرعة.. ولم تعلم كيف ومتى!!
وقبل أن تصل إليه...
وصل إليه شخص ما..
.................
هو رجل .. رجل ...
يبدو وكأنه صديقه..
يحمل في يده عصا صغيرة ما..
ناوله إياها وهو يعتذر له عن التأخير..
فابتسم (الطويل) بهدوء قائلاً:
-        لا بأس .. كنت مستمتعاً بالنسيم العليييل .. وروااائح النباتات والزهور.. وزقزقة الطيور..
ومدّ العصا الصغيرة نحو الأرض فامتدت, وصارت طويلة..
وأخذ بها لتقوده على الطريق السليم.. وتبعد عنه بعض الأذى..
ومشى بعيداً مع صديقه... وصديقته العصا..


وبعينين مذهولتين...
حدقت (فاتن) بظهره وهو يبتعد ويبتعد...
 وهو سعيد وهادئ البال!!!
لم يدر حتى بأنه فجر  ينابيعًا في فؤادها..
وأن قلبها..
أبداً..
لن يعود ساكنًا.