الأحد، مارس 27، 2011

لم يحرك ساكناً (قصة قصيرة)



في أحد الأيام الجميلة...
في جو لطيف وشاعري..
في تلك الحديقة..
حيث الزهور سعيدة بشدو الطيور...
كانت (فاتن) تتمشى وحدها رائقة البال..
تستمتع بملمس الحشائش الرطبة على قدميها الحافيتين.. 
اعتادت (فاتن) أن تذهب لتلك الحديقة كلما سنحت لها الفرصة .. وأن تخلع حذاءها وتمشي حافية القدمين على العشب الندي..  وتملئ عينيها بكل الجمال الموجود في تلك الحديقة .. وتسر أذنيها بغناء الطيور وخرير مياه النوافير..

هناااك..
رأته..
في ظل شجرة.. ممسك بجذعها..
طويل القامة.. عريض المنكبين..
وقفة واثقة منتصبة...
أناقة بلا تكلف..
يشخص بوجهه إلى أعلى الشجرة..
حيث عصفورة تطعم أطفالها في عشهم..
واقف بثبات .. وشبح ابتسامة على شفتيه..
بدا عليه الحنان والرقة , رغم أنه يغطي عينيه بتلك النظارة الشمسية الأنيقة..
ملامحه الظاهرة وسيمة قسيمة..
جو الرجولة يشع منه لما حوله..
ما أروع وقفته!!!
هل هو فعلاً يتأمل العصفورة؟؟!!
هل يوجد رجل في زمننا هذا يبالي ويهتم بهكذا أشياااء؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!
أحست به مستمتع ومنتشٍ بكل ما حوله من ألوااان وبهجة وأصوات..
يا الله ما أروعه!!!
لم تشعر بنفسها..
إلا وهي تذوب في تأمله..
تائهة في تموجات قميصه الذي يداعبه النسيم..
خيالها يسبح في أساطير أبطالها (هي وهو) فقط..
قلبها يرقص ويقفز ويتمادى في حفلته الصاخبة التي أقامها في فؤادها ودعا إليها كل أعضاء جسدها .. وقطرات دمائها .. وذرات روحها..
وابتسامة عمييقة على شفتيها..

و(الطويل) لا يزال في مكانه بنفس الوقفة..

فجأة ..
شعرت بنفسها..
قالت لها: ماذا دهاك؟؟!!!
لملمت أغراضها وعزمت على الرحيل..
فأبت ساقاها أن تستجيبا لرغبة عقلها..
وتدخل قلبها محتداً غاضباً على عقلها.. صارخاً:
-        دعها .. فلن نخسر شيئاً..
بالكاد نرى شيئاً يستحق أن يُرى هذه الأيام..
جلست (فاتن) وفكرت..
ماذا سيضيرني لو ابتسمت له؟؟
ربما تحدثت معه..
ربما...............
فحاول عقلها جاهداً :
-        لاااااا.. كفى سذاجة.. إنتبهيييي.. إحذرييييي..
ظل يصرخ ويصرخ..
ولكن الضجة الصادرة من منزل الأخ (قلبها) المندفع .. حجبت صوت (عقلها) المصدوم..
فكان بالكاد يُسمع..
وعضُه ونصائحه لم يُفهما بسبب رقص ضيوف القلب على دفوفه وإيقاعاته..
ذهبت (فاتن) إلى أمام ناظري (الطويل) مباشرة على بعد مسافة يستطيع أن يراها فيها..
مشت الهوينى .. وحاولت أن تقلد بقية الفتيات اللائي يسرن وكأنهن يمشين على بيض..
حاولت أن تحرك رأسها ويديها مثلهن.. وقالت في نفسها:
-        الآن سأؤثر عليه..
فلم يحرك ساكناً..
ظل واقفاً تلك الوقفة الساحرة.. ورأسه لم يتزحزح..
حثت نفسها:
-        حاولي مجدداً.. النتيجة تستحق تكرار المحاولة..
هذه المرة .. تغندرت في مشيتها أمامه على مسافة أقرب من السابقة..
وفي المنتصف.. أمام وجهه مباشرة..
تظاهرت بأن شيئاً وقع من حقيبتها.. وانحنت لأخذه..
في العادة...
لو أن شاباً آخر كان مكانه , لقال:
-        بسم الله عليك..
ولهبّ يعرض خدماته .. أو (يستعرض ما قد يمنّّ به عليها)..
وصاحبنا (الطويل) لم يتحرك قيد أنملة..
فقط..
يده ارتفعت نحو خصلة من شعره الأسود الفاحم الناعم.. لتزيحها عن جبينه العريض الوضاء..
تمتمت (فاتن):
-        منك الصبر يا الله..
-        نعم.. ليس لي خبرة في خطط الفتيات وتدابيرهن لجذب الرجال..
-        ولكني.. لا بأس بي .. نعم لا بأس بي كأنثى!!

ذهبت (فاتن) واختبأت خلف شجرة بعيدة نسبياً.. واتصلت بصديقة لها خبرة وباع في هذا المجال..
قالت لـ (فاتن):
-        النظرات... النظرااااات...
-        لغة العيون هي أكثر ما يسحرهم..
-        ابتسمي له وأنت تنظرين نحوه في وله وهياااام..
زمجرت (فاتن):
-عييييب!
قالت صديقتها في أنفة:
-        إذاً (طز فيك)!!!
-        هل لا زلت تعيشين في القصص الخيالية الرومانسية التافهة التي كنت تقرئينها في مراهقتك؟؟؟!
-        تلك القصص التي تحكي عن شاب يقع في حب فتاة لأنه:
-         أعجب بـــ  (أخلاقها) !!!!
-        أسَرته بـــ   (حيائها)!!!
-        أحبّ هه ..  (رووحها الطاااااااااااهرة)!!!!
-        وعشقَ .... (جووهرهاا الأصيييل)!!!
-        ههههههههاايي ... أفيقي يا عزيزتي..
-        أنتِ في عام ألفين وعشرة...
-        الناس قد وصلت إلى الفضاااء .. وأنت كما أنت تفكرين كطفلة بلهاااء..
-        لا يمكن أبداً , أن يبادر شاب من هذه الأيام بمصارحة أي فتاة..
-        أخبريه أنك معجبة به قبل أن تخبره أخرى .. وتسرقه منك ..
في تردد وحيرة سألتها (فاتن):
-        ولكن .... ماذا لو... صدني ؟؟
همست لها صديقتها بإلحااااح:
-        أنت لن تخسري شيئاً بالمحاولة .. وستكونين قد عملت ما عليك ..
-        يقول ربنا: اسع يا عبدي , وأنا أسعى معك..
-        المهم فقط .. افعليها.. بدلاً من أن تطرشي أذنيّ بنواحك .. ونحيبك من الفراغ العاطفي الذي تعانين منه..
-        أليس ذلك أفضل من الشكوى طوال الوقت بأن بنات أقل منك في كل شيء .. وجدن الاستقرار , والسعادة مع أنصافهن الأخرى.. وأنت كما أنت...

تنهدت (فاتن) تنهيدة أخرجتها من أعماااااق لم تتخيل أنها كانت موجودة أصلاً بداخلها..
وعزمت أمرها..
-        نعم ... لن أخسر شيئاً..
سحبت نفسها.. لا   لا .. بل جسدها كان يهرول نحو (الطويل) بأقصى سرعته..
-        نعم نعم .. سأبتسم له عن قرب .. كلهم يقولون أن ابتسامتي جميلة..
-        من يدري؟؟ قد يكون هذا الطويل هو - صاحب أسعد حظ في العالم..
توجهت نحوه بابتسامة ملء وجهها..
حاولت أن تجعلها ابتسامة رقيقة خافتة.. فلم تفلح..
لم تحاول حتى أن ترسم نظرة الوله في عينيها .. لأن الوله أصلاً قد تمكن منها, ومن كل ذرة في جسدها , ومن كل روحها, ومن كل جوارحها..
بهذه السرعة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!
نعم بهذه السرعة.. ولم تعلم كيف ومتى!!
وقبل أن تصل إليه...
وصل إليه شخص ما..
.................
هو رجل .. رجل ...
يبدو وكأنه صديقه..
يحمل في يده عصا صغيرة ما..
ناوله إياها وهو يعتذر له عن التأخير..
فابتسم (الطويل) بهدوء قائلاً:
-        لا بأس .. كنت مستمتعاً بالنسيم العليييل .. وروااائح النباتات والزهور.. وزقزقة الطيور..
ومدّ العصا الصغيرة نحو الأرض فامتدت, وصارت طويلة..
وأخذ بها لتقوده على الطريق السليم.. وتبعد عنه بعض الأذى..
ومشى بعيداً مع صديقه... وصديقته العصا..


وبعينين مذهولتين...
حدقت (فاتن) بظهره وهو يبتعد ويبتعد...
 وهو سعيد وهادئ البال!!!
لم يدر حتى بأنه فجر  ينابيعًا في فؤادها..
وأن قلبها..
أبداً..
لن يعود ساكنًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق